وزارة الداخلية تُعبِّئ 11 مليار درهم لثورة النقل الحضري استعداداً لمونديال 2030

برنامج طموح يستهدف 84 مدينة وتجمعاً عمرانياً بـ3746 حافلة حديثة خلال الفترة 2025-2029

الرباط – 3 يونيو 2025 – كشف وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، عن استراتيجية وطنية طموحة لإعادة تأهيل منظومة النقل العمومي في المغرب، تتطلب استثماراً ضخماً قدره 11 مليار درهم لاقتناء 3746 حافلة حديثة، وذلك في إطار الاستعدادات لاستضافة كأس العالم 2030.

أعلن الوزير، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب يوم الاثنين، عن تنفيذ الصفقات العمومية المتعلقة بتزويد مدن مراكش وأكادير وطنجة بـ968 حافلة جديدة، مؤكداً أن هذا يمثل المرحلة الأولى من برنامج شامل لتحديث النقل الحضري.

استراتيجية شاملة للتحول الرقمي في النقل

أوضح وزير الداخلية أن “وزارة الداخلية وضعت برنامجاً جديداً للنقل عبر الحافلات للفترة ما بين 2025 و2029″، مشيراً إلى أن “النسخة الأولى من هذا البرنامج تخص 37 سلطة مفوضة و18 جماعة و12 مؤسسة للتعاون بين الجماعات و7 جماعات ترابية مما سيمكن 84 مدينة وتكتل عمراني”.

وأكد الوزير أن “المبادئ الأساسية لهذا البرنامج تشكل قطيعة مع كل التجارب السابقة من خلال الفصل بين وظيفتي الاستثمار والاستغلال والتكفل الشامل بكل مكونات الاستثمار من طرف السلطات المفوضة واعتماد أساليب حديثة وعصرية لتتبع العقود كالمنصات الرقمية”.

تفاصيل الاستثمار الضخم

كشف المسؤول الحكومي أن “الكلفة الإجمالية لهذا البرنامج بلغت 11 مليار درهم تهم كافة مكونات التدبير المفوض من اقتناء الحافلات (3746) وأنظمة المساعدة على الاستغلال وإعلام المرتفقين وأنظمة التذاكر فضلاً عن تهيئة المستودعات ومحطات توقف الحافلات وأعمدة التوجيه ومحطات الصيانة”.

يأتي هذا البرنامج ضمن استراتيجية أوسع للحكومة المغربية لتطوير البنية التحتية للنقل في إطار الاستعداد لمونديال 2030، حيث تعتزم المغرب تعزيز البنية التحتية في 35 مدينة كجزء من خطة طموحة لاستضافة كأس العالم.

التمويل المبتكر للمشروع

وضح الوزير آلية التمويل المبتكرة للبرنامج، موضحاً أنه “لتفعيل هذا البرنامج تم التوقيع على اتفاقية بالتركيبة المالية لبرنامج مخصصة لتغطية تكاليف الاستثمار التي ستتم من خلال مساهمة الجهات في حدود الثلث وصندوق مواكبة إصلاحات النقل الحضري في حدود الثلثين مع رفع المساهمات السنوية لكل من وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد في الصندوق المذكور من مليار درهم إلى مليار ونصف درهم”.

هذا النموذج التمويلي يعكس التزام الحكومة بتحمل الجزء الأكبر من تكاليف هذا المشروع الاستراتيجي، مما يخفف العبء على الجماعات المحلية ويضمن التنفيذ السريع للبرنامج.

المرحلة الأولى: إنجازات ملموسة

تقدم البرنامج في مرحلته الأولى بشكل ملحوظ، حيث أشار الوزير إلى أنه تم “الإعلان عن طلبات العروض من أجل مساعدة الإشراف على المشروع من طرف السلطات المفوضة في مراكش وأكادير وبن سليمان وفاس وطنجة وتطوان”، مؤكداً أنه “تم تعيين مكاتب الدراسات في كل من مراكش وأكادير وتطوان وطنجة”.

وفي إنجاز مهم، أعلن الوزير عن “الإعلان عن طلب العروض الخاص باقتناء الحافلات من طرف شركات التنمية المحلية بكل من مراكش وأكادير وطنجة من خلال اقتناء 1317 حافلة حيث تم اختيار الشركات نائلة الصفقات التي تخص 968 حافلة أي بنسبة 73 في المئة”.

التحديات والحلول

واجه البرنامج بعض التحديات في عملية توريد الحافلات، حيث أوضح الوزير أنه “سيتم إعادة الإعلان عن طلبات العروض من أجل اقتناء الحافلات المتبقية والتي تبلغ 349 حافلة والتي لم تتم تغطيتها إما لعدم وجود عرض أو عدم استجابة العروض للشروط التقنية أو المالية المطلوبة”.

وتعهد الوزير بالشفافية في العملية، مؤكداً أنه “سيتم نشر المستفيدين من الصفقات قبل 15 من الشهر الجاري”.

المرحلة الثانية: توسيع النطاق الجغرافي

بخصوص المرحلة الثانية من البرنامج، والتي تضم “المدن التي لم تشملها المرحلة الأولى، خلال فترة ما بين 2025 و2026″، أكد الوزير أنها “تخص 18 سلطة مفوضة ستمكن من تغطية أزيد من 24 مدينة وتكتل عمراني”.

وأضاف أنه “يتم إعداد ملفات طلب العروض الخاصة باقتناء 827 حافلة وأنظمة التذاكر والمساعدة على الاستغلال بالإضافة إلى إعداد الملفات الخاصة بالاستشارات الخاصة بانتقاء الشركات الخاصة بالمقاولات الخاصة بالشركات المفوض لها تدبير مرفق النقل الحضري”.

المرحلة الثالثة: الاكتمال والشمولية

أما المرحلة الثالثة، فتضم “المدن التي يشملها البرنامج خلال سنة 2026 و2027، والتي تخص 13 سلطة مفوضة”، وهي المرحلة التي “سيتم فيها تغطية 37 مدينة وتكتل عمراني وسيتم الإعلان عن بعض العروض الخاصة بها تدريجياً حسب تواريخ انتهاء العقود الحالية”.

السياق الأوسع: مونديال 2030 ومشاريع النقل الكبرى

يندرج هذا البرنامج الطموح ضمن استعدادات المغرب الشاملة لاستضافة كأس العالم 2030. فقد خصص البنك الأفريقي للتنمية 650 مليون يورو لتطوير البنية التحتية للنقل في المغرب استعداداً للمونديال.

كما أعلن المغرب عن مناقصة لبناء خط سكة حديد عالي السرعة كجزء من استراتيجية بقيمة 37 مليار دولار تهدف إلى ربط مدن البلاد وموانئها ومطاراتها بقطارات فائقة السرعة.

وفي هذا السياق، تُخطط مراكز النقل متعددة الوسائط في طنجة والدار البيضاء ومراكش، والتي ستدمج القطارات والسكك الحديدية الإقليمية والترام والحافلات الكهربائية.

التكنولوجيا الخضراء والاستدامة

يولي البرنامج اهتماماً خاصاً بالتكنولوجيا الخضراء، حيث تختبر الرباط حالياً حافلات كهربائية من نوع “eCitaro” من مرسيدس كجزء من مبادرة لتجهيز نظام النقل الحضري المغربي بمركبات كهربائية.

الأثر الاقتصادي والاجتماعي المتوقع

من المتوقع أن يحدث هذا البرنامج نقلة نوعية في قطاع النقل العمومي المغربي، حيث سيحسن من جودة الخدمات المقدمة للمواطنين ويساهم في تقليل الازدحام المروري في المدن الكبرى.

كما سيساهم البرنامج في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، خاصة في قطاعات الصيانة والتشغيل والخدمات المرتبطة بالنقل العمومي.

التحديات المستقبلية

رغم الطموح الكبير للبرنامج، تبقى هناك تحديات تتعلق بضمان الجودة في التنفيذ والتزام الشركات المختارة بالمواصفات التقنية المطلوبة، بالإضافة إلى ضرورة تدريب الكوادر البشرية اللازمة لتشغيل هذه المنظومة الحديثة.

خلاصة واستشراف المستقبل

يُشكل برنامج تحديث النقل الحضري بقيمة 11 مليار درهم نموذجاً للتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، حيث يربط بين الحاجات الآنية للمواطنين والتطلعات المستقبلية للمغرب كدولة حديثة قادرة على استضافة الأحداث العالمية الكبرى.

هذا الاستثمار الضخم في البنية التحتية للنقل لا يقتصر على الاستعداد لمونديال 2030 فحسب، بل يؤسس لنموذج تنموي مستدام يضع المغرب في مصاف الدول المتقدمة في مجال النقل الحضري الحديث والصديق للبيئة.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *