الاجتماع الوزاري الأوروبي-الإفريقي في بروكسل: نحو شراكة متوازنة أم استمرار التبعية؟

احتضنت العاصمة البلجيكية بروكسل الأسبوع الماضي الاجتماع الوزاري الثالث بين وزراء خارجية الاتحادين الأوروبي والإفريقي، في خطوة تهدف إلى تقييم مسار الشراكة بين القارتين، وتحضيراً لقمة رفيعة المستوى يُنتظر تحديد موعدها لاحقاً. لكن في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تشهدها إفريقيا، تباينت المواقف بين التطلعات الإفريقية لتعاون أكثر عدالة، والنهج الأوروبي الذي لا يزال يُتهم بترسيخ التبعية.

تقييم الشراكة وآفاقها

جاء الاجتماع في وقت تعيش فيه القارة الإفريقية تحولات متسارعة، أبرزها تفاقم الأزمات الأمنية في السودان ودول الساحل، وتنامي النفوذ الصيني والروسي. وقد ناقش الطرفان التقدم المحقق منذ القمة السادسة في 2022، التي أفرزت التزامات متعددة في مجالات التنمية، والأمن، والتكامل الاقتصادي.

البيان المشترك للاجتماع أكد ضرورة تعزيز التعاون في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المشتركة، مع تركيز خاص على دعم جهود إحلال السلام والاستقرار في مناطق النزاع، لاسيما في السودان والكونغو الديمقراطية والساحل الإفريقي.

أمن إفريقيا: أولوية أم ورقة ضغط؟

الوضع الأمني في إفريقيا تصدّر أجندة النقاش، خصوصاً في ظل استمرار الحرب في السودان، حيث خلّفت النزاعات عشرات الآلاف من القتلى وملايين النازحين، إضافة إلى تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل. وتشير تقارير إفريقية إلى أن المنطقة شهدت أكثر من 3200 هجوم إرهابي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، خلفت آلاف القتلى من المدنيين.

يرى باحثون، من بينهم المغربي زكرياء أقنوش، أن الاستقرار في القارة لا يمكن أن يتحقق دون مراجعة حقيقية لدور الأطراف الخارجية، بما في ذلك بعض السياسات الأوروبية التي يُنظر إليها كجزء من المشكلة أكثر من كونها جزءاً من الحل.

التعاون الاقتصادي: استثمار أم استغلال؟

يشكل الاقتصاد محوراً أساسياً في العلاقة بين الاتحادين، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي عن استثمارات قُدرت بـ150 مليار يورو ضمن مبادرة “البوابة العالمية”، تستهدف تطوير البنية التحتية والتحول الرقمي والطاقة الخضراء في إفريقيا.

لكن رغم هذا الزخم الاستثماري، لا تزال العديد من الأصوات الإفريقية تعتبر أن العلاقة الاقتصادية غير متوازنة، إذ تُوظف الاستثمارات أحياناً لخدمة مصالح أوروبية على حساب التنمية المستدامة في دول الجنوب. وقد دعا وزراء أفارقة إلى إعادة صياغة أسس التعاون الاقتصادي، لضمان شراكة قائمة على المساواة لا على الاعتماد.

النفوذ الدولي وصراع المصالح

تعيش إفريقيا اليوم على وقع تنافس حاد بين القوى الكبرى، وفي مقدمتها الصين وروسيا، وهو ما ألقى بظلاله على الاجتماع الوزاري الأخير. فبينما تسعى الدول الغربية إلى الحفاظ على نفوذها التقليدي في القارة، بدأت الدول الإفريقية تميل إلى تنويع شركائها الاستراتيجيين، بحثاً عن مصالح أكثر تناغماً مع أولوياتها التنموية والسيادية.

واعتبر أقنوش أن الشراكة التي يسعى لها الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون مبتكرة وتحترم استقلالية القرار الإفريقي، خصوصاً في ظل الدور المتنامي لقوى عالمية جديدة ذات توجهات مختلفة، تعيد تشكيل ميزان القوى في القارة.

التحدي الديمقراطي والابتعاد عن الوصاية

في معرض تحليله للمشهد الإفريقي، شدد الباحث المغربي على أن التخلص من التبعية الأوروبية لا يمر فقط عبر تنويع الشركاء الاقتصاديين، بل يتطلب أيضاً إصلاحات داخلية عميقة، تبدأ بتكريس الديمقراطية، وتفادي استمرار الأنظمة الشمولية التي – بحسب رأيه – تتغذى من الدعم الأوروبي، سياسياً واقتصادياً.


رغم التصريحات الإيجابية الصادرة عن مسؤولي الطرفين، فإن مستقبل الشراكة بين إفريقيا وأوروبا لا يزال رهينة لعدة اعتبارات، أهمها التوازن في المصالح، والاحترام المتبادل، والتخلي عن نهج الوصاية.

فإفريقيا التي تمتلك موارد هائلة وتواجه تحديات ضخمة، تبحث عن علاقات استراتيجية تنقلها من موقع التابع إلى موقع الشريك الفعلي، في عالم لم يعد يعترف إلا بالتكافؤ والندية في العلاقات الدولية.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *