الاتحاد الأوروبي يوجه ضربة قوية لـ”شي إن”: خصومات وهمية وضغط نفسي على المستهلكين

المفوضية الأوروبية تمنح العملاق الصيني مهلة شهر واحد لتصحيح انتهاكاته أو مواجهة غرامات مالية

بروكسل – الاتحاد الأوروبي

في خطوة حازمة لحماية المستهلكين الأوروبيين، أعلن الاتحاد الأوروبي رسمياً أن موقع “شي إن” الصيني المتخصص في تجارة الأزياء ينتهك القوانين الأوروبية من خلال سلسلة واسعة من الممارسات التجارية غير القانونية، في قضية قد تغير وجه التجارة الإلكترونية العابرة للحدود.

اتهامات خطيرة ومتنوعة

كشفت المفوضية الأوروبية، بالتعاون مع شبكة التعاون لحماية المستهلك التي تضم سلطات حماية المستهلك في الدول الأعضاء، عن رصد عدد من الثغرات والانتهاكات الخطيرة من قبل المنصة الصينية العملاقة.

وشملت هذه الانتهاكات، وفق البيان الرسمي للمفوضية، تقديم خصومات وهمية لا تستند إلى أسعار سابقة فعلية، واعتماد سياسات بيع تحت الضغط تهدف إلى إجبار المستهلكين على اتخاذ قرارات شراء متسرعة، وغيرها من الأساليب التي وصفها الاتحاد بأنها “غير متوافقة مع معايير حماية المستهلك”.

انتهاكات متعددة الأوجه

تضمنت قائمة الانتهاكات المرصودة عدة نقاط حساسة تؤثر مباشرة على تجربة المستهلك الأوروبي:

سياسات الإرجاع المبهمة: حيث رصدت السلطات الأوروبية سياسات إرجاع غير واضحة أو دقيقة، مما يضع المستهلكين في موقف صعب عند محاولة إرجاع المنتجات غير المرضية.

ادعاءات مضللة حول الاستدامة: وجهت اتهامات للمنصة بتقديم ادعاءات مضللة تتعلق بالاستدامة البيئية، في وقت تتزايد فيه أهمية المسؤولية البيئية لدى المستهلكين الأوروبيين.

تشويش في معلومات المنتجات: شمل ذلك عدم الوضوح في تقديم معلومات أساسية مثل ملصقات الأسعار والمكونات، مما يحرم المستهلكين من حقهم في اتخاذ قرارات مدروسة.

صعوبة التواصل مع خدمة العملاء: رصدت السلطات صعوبات كبيرة تواجه المستخدمين في التواصل مع خدمة العملاء، مما يحد من قدرتهم على الاستفسار أو تقديم الشكاوى بشكل فعال.

موقف حازم من المفوضية

أعرب مفوض العدل في الاتحاد الأوروبي مايكل ماكغراث عن موقف صارم تجاه هذه الانتهاكات، مؤكداً أن “الوقت قد حان لتحمّل شي إن مسؤولياتها”. وأضاف في تصريحات رسمية: “على الشركة أن تتخذ موقفاً واضحاً، وأن تلتزم بالقواعد وتصحح ممارساتها بما يتوافق مع معايير المستهلك في الاتحاد الأوروبي”.

مهلة نهائية وتهديد بالغرامات

في خطوة تصعيدية، منحت المفوضية الأوروبية شركة “شي إن” مهلة شهر واحد لتقديم خطة واضحة ومفصلة لمعالجة جميع المخالفات المسجلة، تحت طائلة فرض غرامات مالية إذا لم يتم إحراز تقدم فعلي وملموس.

وتشارك أربع دول أوروبية رئيسية هي بلجيكا وفرنسا وأيرلندا وهولندا في مراقبة مدى التزام المنصة بتصحيح مسارها وإنفاذ القانون بشكل مباشر على أراضيها، مما يشير إلى جدية الاتحاد في متابعة هذه القضية.

رد “شي إن” المقتضب

من جانبها، ردت شركة “شي إن” ببيان مقتضب أكدت فيه أنها “تعمل بشكل بنّاء مع سلطات المستهلك الوطنية والمفوضية الأوروبية”، مشيرة إلى التزامها الكامل بقوانين الاتحاد الأوروبي، واستعدادها لمعالجة أي ملاحظات قد تطرحها الجهات التنظيمية.

تفاصيل مثيرة حول التضليل النفسي

كشف التحقيق الأوروبي عن تفاصيل مثيرة حول الأساليب التي تستخدمها “شي إن” للتأثير على قرارات المستهلكين، حيث رصدت السلطات:

  • عرض تخفيضات أسعار غير حقيقية لا تستند إلى أسعار سابقة فعلية، مما يخلق وهماً بالوفورات الكبيرة
  • تحديد مواعيد نهائية زائفة للضغط على الزبائن من أجل اتخاذ قرار الشراء بسرعة
  • عرض تقييمات ومراجعات منتجات مضللة تفتقر للنزاهة والشفافية

واعتبرت المفوضية هذه الممارسات شكلاً من أشكال “التضليل النفسي” الذي يستهدف استغلال نقاط ضعف المستهلكين.

تاريخ من الجدل والانتقادات

هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها “شي إن” انتقادات حادة حول ممارساتها التجارية والعمالية. ففي يناير الماضي، كشفت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن بعض موظفي الشركة يعملون لأكثر من 75 ساعة أسبوعياً، في مخالفة صريحة لقوانين العمل المعمول بها في الصين.

كما واجهت الشركة اتهامات من نواب في البرلمان البريطاني بـ”الجهل المتعمد” حين رفض محاموها مراراً الإجابة عن أسئلة جوهرية تتعلق بمصادر القطن الذي تستخدمه المنصة في تصنيع منتجاتها، وسط مخاوف من استخدام قطن مصدره مناطق الأقليات في الصين.

دفاع الشركة عن نفسها

في مواجهة هذه الانتقادات المتراكمة، دافعت “شي إن” عن نفسها مؤكدة أنها “تلتزم بتوفير ظروف عمل عادلة وكريمة في جميع مراحل سلسلة التوريد”، وأنها “استثمرت عشرات الملايين من الدولارات في تعزيز الحوكمة والامتثال، ووضع معايير واضحة لأجور العمل وحقوق العمال”.

وأضافت الشركة أنها “تُلزم جميع شركائها وموردينها باتباع مدونة سلوك صارمة تضمن الامتثال لأفضل الممارسات الإنسانية والتجارية”.

تداعيات محتملة على صناعة التجارة الإلكترونية

تأتي هذه الخطوة من الاتحاد الأوروبي في إطار جهود أوسع لتنظيم قطاع التجارة الإلكترونية وحماية المستهلكين من الممارسات المضللة، وقد تشكل سابقة مهمة لمنصات أخرى تعمل في السوق الأوروبية.

ومع تزايد نفوذ “شي إن” في السوق العالمية، تراقب أوساط التجارة الإلكترونية عن كثب كيفية تعامل الشركة مع هذا التحدي الأوروبي، وما إذا كانت ستؤثر هذه الإجراءات على استراتيجيتها العالمية.


القضية ما تزال في بداياتها، وستحدد الأسابيع المقبلة مدى جدية “شي إن” في تصحيح مسارها أم أنها ستواجه عواقب أكثر صرامة من الاتحاد الأوروبي.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *